باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال
الحلم نيوز :
باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال
#باريس #بطل #أوروبا #بعد #أن #طرد #الأشباح #وصنع #الأبطال
باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال
الحلم نيوز :
باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال
لم يَعُد لقب باريس سان جيرمان بـ دوري أبطال أوروبا 2025 حُلمًا يطارده المشجعون في المنام، بل واقعٌ مُذهلٌ نُقِشَ بماء الذهب على جبين التاريخ، الفريق الفرنسي، بقيادة الثائر لويس إنريكي، حوّل مسيرةً عقديةً من الإحباط إلى أسطورةٍ قاريةٍ جديدة، ليصبح ثاني فريق فرنسي يرفع البطولة بعد مرسيليا 1993، الانتصار الساحق على إنتر ميلان لم يكن صدفةً، بل تتويجًا لمشروعٍ حوَّل “الكوارث” السابقة إلى انفجارٍ من الدقة والعزيمة، حيث تحركت الآلة الباريسية كجسدٍ واحدٍ ذا فلسفة واحدة وبلا أوهام.
في السادس والعشرين من أبريل ١٩٨٦، انفجر المفاعل النووي في “تشيرنوبيل”، مطلقًا سحابة إشعاعية ضخمة هزت العالم، وبعد ٣٩ عامًا بالضبط، شهد ملعب ميونخ مفاعل كروي هذه المرة: انفجارٌ تكتيكي اسمه باريس سان جيرمان حوَّل نهائي دوري الأبطال إلى كارثة إيطالية مُعلَّبة بخمسة أهداف، مُسحت بها شباك إنتر ميلان كأثرٍ للإشعاع، لم تكن مجرّد هزيمة، بل كانت كشفًا أثريًا عن انهيارٍ بنيوي في كرة القدم، دفاعٌ إيطالي أشبه بجدارٍ من الرمل، ومدربٌ يحاول إصلاح المفاعل وهو يحترق من الداخل، وجمهورٌ صامتٌ يشهد انقراضًا منظّمًا لأسطورة الايطالي.
أحداث متتابعة
أعاد هذا اللقاء إلى الأذهان صورةً طبق الأصل من النهائي التاريخي بين إسبانيا وإيطاليا في يورو 2012، فما فعله فيسنتي ديل بوسكي مع “لا روخا” قبل عقدٍ من الزمن، من فرض هيمنة تكتيكية ساحقة على الخصم، كرره اليوم لويس إنريكي مع باريس في مواجهة إنتر، نفس فلسفة السيطرة على وسط الملعب، والاستحواذ الذكي، وتحويل الخصم إلى متفرجٍ على لعبةٍ نسجت خيوطها بإحكام من قِبل الفريق الفرنسي، ليصبح بعد ضبط المقصلة، ثاني فريق فرنسي يتوج باللقب القاري بعد مرسيليا في عام 1993.
وكعادته في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، انقضّ باريس سان جيرمان على نهائي 2025 كصاعقة، في مشهدٍ يُعيد تعريف الجرأة في المباريات الحاسمة، شبّاك إنتر ميلان اهتزّت مرّتين قبل أن تجفّ دماء الشوط الأول: أشرف حكيمي دقّ المسمار الأول في الدقيقة 12 بقذيفةٍ من خارج الصندوق، ثم أكمل ديزيري دويه الكابوس الإيطالي بعد ٤ دقائق فقط، عشرون دقيقة كانت كافية تمامًا لتحويل المواجهة الأسطورية المنتظرة، إلى كارثة مُبكرة في عصرٍ صارت فيه النهائيات أشبه بطواحين الهواء الدائمة الاشتعال.
عرض هذا المنشور على Instagram
ورغم تحسن إنتر ميلان الواضح في الشوط الثاني، حسم باريس المباراة عند الدقيقة 60، دويه سجّل هدفه الثاني بعد ترقيصة ساحرةٍ من عثمان ديمبيلي على الجناح، أضيف لها تشميسة قاتلةٌ من فيتينيا حوّلت الدفاع الإيطالي إلى تماثيل لا حول لهم ولا قوة، ولذلك لم يكن الهدف الرابع لـ خفيتشا كفاراتسخيليا والخامس لسيني مايولو سوى شهادة ميلادٍ جديدةٍ لكتاب تاريخ جديد: خماسيةٌ نظيفةٌ أصبح خلالها الفريق صاحب أكبر انتصارٍ في تاريخ نهائيات دوري الأبطال، هل هناك ما هو أكثر رومانسية من ذلك؟
وبالطبع؛ لم يكن هذا الانتصار عفويًا على الإطلاق، بل كان نتاج خريطة تكتيكية صممها باريس لاستغلال ثغرات إنتر، من التمرير السريع إلى الأجنحة (ديمبيلي/باركولا) لسحب الدفاع المركزي، وقطع الكرات في منتصف الملعب (فيريرا/فيتينيا) لشن هجمات مرتدة قبل اكتمال تمركز الدفاع، ثم التركيز على التمريرات العرضية المنخفضة لدفع سومير لاتخاذ قرارات خاطئة، وهنا أيضًا كان النمط واضحًا: باريس تجنَّب التسديد من خارج الصندوق، وراهن على شلّ حركة الحارس عن طريق التسديد في الزاوية الضيقة.
ولذلك سجلت ثلاثة من أهداف باريس الخمسة في نهائي 2025 في الزاوية الضيقة للحارس، ومن داخل الصندوق (أهداف كفاراتسخيليا، دويه الثاني، مايولو)، فيما فشل إنتر في صدّ كرة واحدة من ٧ تسديدات داخل منطقة الـ٦ ياردة، هذا التكرار يطرح سؤالًا جوهريًّا: هل كشفت دراسة باريس التحليلية أن يان سومير (حارس إنتر) يعاني من ضعفٍ في التغطية الزاوية الضيقة؟ الأدلة تدعم هذه الفرضية.
طريق طويل
هل يُمكن لنادٍ عمره 55 عامًا فقط، قضى منها 40 عامًا في المنافسات الأوروبية، و12 عامًا فقط في الأدوار الحاسمة أن يبني إرثًا عظيمًا؟ نعم، فإذا كنت باريس سان جيرمان، فهذا يعني أن إرثك سيكون تراكمًا غير مسبوق من الإخفاقات المتكررة، والهدر الجماعي للموارد والمواهب، والانهيارات الدراماتيكية، من تلك المرحلة المنحطة، إلى الوصول إلى مثل هذه الدرجة العالية من التماسك حيث كل لاعب قادرًا على أداء دور زملائه عند الحاجة.
تلك السنوات الـ12 المهدرة، لم تكن مجرد محطات إخفاق، بل كانت مختبرًا لتشريح بعض الأخطاء: إنفاق 1.2 مليار يورو على نجوم منعزلين، ما أنتج فرقة أشبه بـفندق فاخر يسكنه أناس غرباء وغير مرتبطين، وكل انهيار، من ريمونتادا برشلونة 2017 إلى الخسارة المخزية أمام مانشستر يونايتد 2019، كان رسالة دماغية موجعة مفادها: كرة القدم لا تُشترى بالعملة وحدها، بل تُبنى بروح جماعية تذوب فيها الأنا.
عرض هذا المنشور على Instagram
وعندما قدّم لويس إنريكي استقالته من تدريب إسبانيا 2020 بعد إخفاق يورو، لم يكن يتراجع بل يُعدّ العدة لثورة مضادة في باريس، حوّل فيها “وصمة” الإرث الفاشل إلى وقود: استبعد الأسماء الكبيرة المتنافرة، وفرض نظامًا لا يرحم قائمًا على التبادل الوظيفي حيث هاجم حكيمي كظهير، ودفع فيريرا كلاعب وسط، وغطّى ماركينيوس كقلب الدفاع والبناء معًا. والنتيجة؟ فريق صار كل لاعب فيه نسخة احتياطية تلقائية لزميله، وهي الآلية التي سحقت إنتر بخمسة أهداف من 4 لاعبين مختلفين للمرة الأولى في التاريخ.
ولذلك لم يعد باريس سان جيرمان ذلك النموذج الكاريكاتوري للإنفاق العشوائي، بل صار تجربة تحويلية عظيمة في الرياضة الحديثة، وحقق المفارقة الأصعب: تحويل رأس المال المالي إلى رأس مال تكتيكي، عبر استراتيجية ذكية تقطع مع فلسفة “النجومية” التي دمرت عقودًا من المحاولات، نحو أماكن أرحب وأقوم قيلا.
شباب مثل دويه وباركولا لم يُشتروا كبضاعة جاهزة، بل كـ خامات أولية صقلها نظام إنريكي لتصبح قطعًا في آلة متكاملة، بعدها لم يعد السؤال: “كم كلف اللاعب؟” بل كيف يُحوَّل سعره إلى قيمة مضافة للمنظومة؟ المنظومة الصلبة القوية، التي لا يكمن سرها في النجوم ولا في التكتيك فقط، بل في تحويل التدريب إلى هندسة عصبية جماعية، حيث استطاع نظام إنريكي التدريبي تحويل الخطط الجافة إلى ردود فعل لا إرادية، في الهدف الثالث ضد إنتر، نفّذ 5 لاعبين 6 تمريرات في ثوانٍ معدودة دون النظر لبعضهم، وكأنما كانت أقدامهم متصلة بأسلاك خفية، هذه الغريزة التكتيكية نتاج أشهر طويلة من:
- تدريبات “العين المعصوبة” (اللاعبون يمررون كرات وهم معصوبو الأعين).
- محاكاة مواقف بصراع 10 ضد 11 في مساحة ضيقة للغاية.
- تحليل فيديو فوري يُظهر زوايا الرؤية العمياء لكل لاعب.
النتيجة؟ فريق يتحرك كـ عقل واحد بأجساد متعددة، وهو ما جعل الخماسية تبدو كـ عملية رياضية منطقية بالنظر إلى المقدمات.
عرض هذا المنشور على Instagram
ما جعل الأمور أسلس بالنسبة لإنريكي، هو، للمفاجأة، رحيل النجوم، فلم يكن رحيل ميسي ثم نيمار وأخيرًا مبابي مجرد تغيير في تشكيلة، بل جراحة أزال بها الرجل ورمًا استوطن الفريق لعقدٍ كامل، ففي عصر الثالوث، كان باريس أشبه بـ “سيرك عروض فردية”: 72% من الهجمات كانت تعتمد على مهاراتهم الفردية، وتمريراتهم المباشرة بين بعضهم.
والنتيجة؟ فريق مشلّ الإرادة الجماعية، وينهار عند غياب أي نجم، ولذلك فالتخلص من الثلاثة لم يُحرر مساحة مالية فحسب، بل هدم جدار الأنانية الذي منع بناء كيان متجانس، كما أن النظام الجديد أفقد الخصوم مرجعيات المراقبة، فلم يعد التركيز على إيقاف لاعبٍ محدد، بل مواجهة وحش بألف ذراع.
من رحم المعاناة
ما هي المقدمات؟ حسنًا، المقدمات المتمثلة في ضعف بنية انتر العامة، فبعد أن بدا الإنتر في أبريل وكأنه يخطو نحو ثلاثية أسطورية تُكرر أمجاد 2010، انتهى الموسم بكارثة، خروج بلا ألقاب، هذه الخيبة المركبة، خسارة الدوري الإيطالي في الجولة الأخيرة ثم السقوط المدوي في نهائي دوري الأبطال، حوّلت الموسم إلى جرح مفتوح، خاصة أن البطولة القارية كانت الحلقة المفقودة في مسيرة جيلٍ عانى لبلوغ القمة.
ولكن في نفس الوقت، فشل الإنتر لم يكن مفاجئًا لمن رأى علامات الشيخوخة تُنهك الفريق: تشكيلةٌ منهكة اعتمدت على نجوم تجاوزوا الثلاثين كان من الطبيعي ألا تستطع الصمود أمام رياح باريس العاتية، وأمام هذا التحدي، يجد بيبي ماروتا وبيير أوسيليو أنفسهما أمام مهمة شائكة، وأسئلة عميقة للغاية.
عرض هذا المنشور على Instagram
ولذلك فربما يجتمع رئيس النادي بيبي ماروتا والمدير الرياضي بيير أوسيليو مع المدرب سيموني إنزاجي هذا الأسبوع لمصافحة إنزاجي في وداعٍ أخير، بعد أن تجاوز الفريق سقف مدربه، وبعد قرار المدرب نفسه وضع حد للمشروع والذهاب للسعودية، بالمناسبة؛ انتشار أخبار ذهابه للسعودية كانت سببا في ظهور الفريق بمثل هذا السوء، فقبل أسبوعين فقط من نهائي ميونيخ، تحوّلت أنباء مفاوضات سيموني إنزاجي مع الهلال السعودي إلى قنبلة موقوتة داخل غرفة الملابس.
هذه المفاوضات خلخلت الاستقرار النفسي لفريقٍ كان بأمس الحاجة لوحدة الصف قبل أهم مواجهة في تاريخه الحديث، خاصة وأن قضية إنزاجي لم تكن هي الوحيدة التي أنهكت الإنتر؛ فالمفاوضات المتوازية لضم نيكولو باريلا إلى الهلال أيضًا أثّرت على أدائه في المباراة أيضًا، المفارقة المؤلمة؟ إنتر خسر بخمسة أهداف 3 منها كانت من جهته اليمنى، هذه الحالة لم تكن فشلًا فرديًا، بل نتيجة حتمية لوباء التشتت الذي نفذ إلى جسد الفريق عبر صفقات سوق الانتقالات المبكرة، ولذلك لابد من تجديد الدماء.
أما عملية تجديد الدماء فلم تعد خيارًا، بل ضرورة هامة جدًا للخروج من نفق الإرهاق والإحباط، حيث أن الندبة التي تركها هذا الموسم لن تُمحى بسهولة؛ ندبة على جبين جيلٍ حلم بالخلود فمر من بين أصابعه الزمن.
الحلم نيوز :
باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال
الحلم نيوز :
باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال
باريس بطل أوروبا بعد أن طرد الأشباح وصنع الأبطال #باريس #بطل #أوروبا #بعد #أن #طرد #الأشباح #وصنع #الأبطال