بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة
الحلم نيوز :
بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة
#بين #بيضة #الرخ #وبطل #آسيا #وأوروبا #رياض #محرز #ورحلة #سندباد #السابعة
بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة
الحلم نيوز :
بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة
تقول الأسطورة أن سندباد قرر في في رحلته السابعة والأخيرة، أن يُبحر بعيدًا عن الممرات المألوفة، نحو أرخبيلٍ غامض يُدعى “جزيرة الوهم”، متحديًا تحذيرات البحارة القدامى: بحارًا هائجةً تبتلع السفن، و”طائر الرُّخ” العملاق الذي يحرس بيضه الذهبي، وقبيلةً من السحرة يحوِّلون البشر إلى تماثيل، لكن سندباد، بخبرته التي اكتسبها من الرحلات الست السابقة، لم يستسلم، واستخدم دهاءه لاسترضاء طائر الرُّخ بطعامٍ شهي، واختطف بيضةً ذهبيةً من عشه، ثم هرب من السحرة بعد تظاهره بالموت، ليعود بعدها إلى بغداد حاملًا ذهبًا فاق ذهب المعز لدين الله، وسيف الحكمة الكامنة في قلوب كل عاشق: “الكنز الحقيقي ليس فيما تجمعه، بل فيما تتركه من إرث”. ولكن ما علاقة تلك القصة بمقال يتحدث عن رياض محرز؟
الأمر بسيط للغاية، فاليوم يُعيد رياض محرز إعادة نفس الرحلة بحذافيرها، لكن في عالمٍ مختلف، فبعد ستة رحلات أسطورية بدأها في نادي كوييري في دوري الدرجة السابعة، وانتهت في مانشستر سيتي حيث دوري أبطال أوروبا، يخوض اليوم رحلته السابعة مع نادي الأهلي السعودي، حاملًا نفس التحدي: اجتياز “بحر الشكوك” نحو “جزيرة الوهم”.
الدوري السعودي، حيثُ ينتظره “الرُّخ” الإعلامي المتشكك، و”السحرة” الذين يحاولون تحويل إنجازاته إلى تمثال في متحف، ينظر إليه الناس نظرة شفقة وتحسر، الربط الأعمق هنا ليس في المغامرة فحسب، بل في فلسفة الرحلة نفسها: سندباد لم يخض رحلته لأجل الذهب، بل لإثبات أن المغامرة لا تأتي إلا مع الخطر، كذلك محرز لم ينتقل إلى الأهلي من أجل التقاعد، بل لإثبات أن النجومية الحقيقية تُقاس بقدرتك على إضاءة سماءٍ جديدة كل يوم.
أما الكنز هنا ليس الملايين، بل في الرسالة التي تقول أن الدوري السعودي يمكنه استضافة نجوم العالم دون أن يكون “مقبرةً للمواهب”، وأن اللاعب العربي قادرٌ على قيادة مشروعٍ طموحٍ في أي قطر عربي كان، فالأمة العربية واحدة من المحيط إلى الخليج، ورسالتها وأحلامها تساع الجميع، أما “البيضة الذهبية” التي اختطفها محرز من العش، فقد أصبحت إرثًا تاريخيًا حقًا، لتصبح في النهاية رحلة محرز السابعة استكمالًا لأسطورة سندباد، اللعبةُ ذاتها، لكن البحرَ مختلف، والوحوشَ أكثر دهاءً، والغنائمَ، أكثر إشراقًا، مادام في العمر والحلم بقية.
في دايرة الرحلة
أبحر سندباد في رحلته الأولى مُحمَّلًا بأحلامٍ بسيطة: تجارة تُعيد لاسم عائلته مكانته الضائعة، لكن الرياح قادته إلى جزيرةٍ بعيدة نائية، ظنها في البداية ملاذًا آمناً، ليكتشف بعدها أنها ظهرُ “حوتٍ عملاق”، لم تكن المواجهة مع الحوت مجرد صدفة، بل كانت في الحقيقة اختبارًا لإرادته، فإما أن يغرق مع السفينة، أو يسبح ضد الأمواج نحو بدايةٍ جديدة.
حسنًا لقد فهمت لماذا نستعين بقصص سندباد، ولذلك دعنا نقول لك أن رحلة رياض محرز الأولى كانت شبيهة بتلك الكيفية، رياض محرز، ابن ضاحية سارسيل الفقيرة شمال باريس، حيثُ يتكدس المهاجرون الأفارقة في شوارعٍ ضيقة، خاض نفس الاختيار على ملعبٍ ترابي سُمي تيمنًا بـ نيلسون مانديلا، حيث انضم إلى نادي “ساراسيل” عام 2004، وهو في الـ13 من عمره، ليجد في كرة القدم “طوق النجاة” من بلاد وعنصرية تدفعه إلى طريقٍ مظلم.
عرض هذا المنشور على Instagram
كان رياض يلعب طوال اليوم، كما يقول زميله هايل مبيمبا، لكن الملعب لم يكن كافيًا؛ فبعد التدريب، كان يتجوّل في صالات الألعاب الرياضية بالضاحية بحثًا عن مكانٍ للعب، وكأن الكرة كانت هروبه الوحيد من واقعٍ قاسٍ، حيث أنها كانت الوسيلة الوحيدة للخروج من سارسيل، الجزيرة اليائسة المحاطة بأمواج البطالة والتمييز، ورغم ذلك ظل “الحوت العملاق”، نظام أكاديميات كرة القدم الفرنسية، ظل يتربص به، حيث رُفض مرارًا لـ”نحافته” أو “عدم ملاءمته”، حتى إن والده نصحه بالبحث عن “وظيفة مستقرة”، لكن محرز رفض أن يكون ضحيةً للظروف، وفي عام 2009، انتقل إلى كيمبر، في إقليم بريتاني المطير، هنا، في مدينةٍ تبعد 350 ميلاً عن باريس، واجه تحديًا جديدًا: العيش في شقةٍ صغيرة مع زميله ماتياس بوغبا، والاعتماد على صحفي محلي لنقله إلى التدريبات لأنه لم يكن يعرف القيادة.
“خضنا يومًا تجريبيًا مع 20 لاعبًا، وكان رياض هو الوحيد الذي احتفظنا به، ورغم بنيته الجسدية الهشة، إلا أن قدمه اليسرى جعلته ساحرًا”.
رونان سالون، مدرب محرز السابق.
لكن الرحلة كادت تنتهي قبل أن تبدأ، فحين أخبره رئيس النادي بعد سفره إلى كيمبر بفترة قصيرة جدًا، أنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف عقده باهظ الثمن، اتصل بأمه والدمعة تفر من عينيه، كما يروي الصحفي كريستوف مارشان، لكن يأسَه، وللعجب، أنقذه هذه المرة، حيث رأى الرئيس ألمه القوي وبعد 24 ساعة فقط وقع العقد، هكذا، كسندباد الذي خسر سفينته لكنه عاد بذهبٍ لا يُقدَّر بثمن، خسر محرز سنواتٍ في دوري الهواة، لكنه كسب إصرارًا صقل شخصيته، إذ جاء بحقيبة تحتوي على ثلاثة أشياء: فرشاة أسنان، معجون أسنان، وحذاء كرة قدم”، لكنها كانت أيضًا البذرة الأولى للأسطورة، التحقَ الرجل بنادي “كوييري” فعلًا، ملعبٌ ترابي، وجمهورٌ لا يتعدى العشرات، وراتبٌ بالكاد يُغطي مصاريف المواصلات.
وحيثُ لا تُوجد كاميراتٌ أو عقودٌ مليونية، بدأ محرز يُنقذ أحلامه بتسديداتٍ استثنائية، كان يدرب نفسه ليلًا في الشوارع الضيقة، مُحاولًا تحويل “نحافته” إلى ميزة خاصة رشيقة، وسرعته الخاطفة إلى سلاح جديد، لكن التحدي لم يكن جسديًّا فحسب، فكما واجه سندباد سخرية البحارة حين أخبرهم عن الحوت، واجه محرز سخرية مَن قالوا: “لا مستقبلَ للعرب في الكرة الأوروبية”، لكن محرز، كسندباد، اختار أن يثق بغريزته، فالحوت الذي أراد افتراس أحلامه، صار مجرد محطةٍ واهية في رحلةٍ طويلة، والبدايات الهشّة لم تُحدد النهايات، وكما خسر سندباد سفينته الأولى، أنفق محرز سنواتٍ طويلة للغاية في دوري الهواة، لكنه كسب إصرارًا سيكون سلاحه الأقوى في الرحلة التالية، فهل كانت رحلة الهواة مجرد حظ عاثر؟ أم أنها كانت البيضة الذهبية التي احتاجها ليفقس منها النجم العالمي؟ الإجابة في الرحلة القادمة.
عرض هذا المنشور على Instagram
مسارٌ لم يتخيله أحد
في رحلته الثانية، واجه سندباد عاصفةً هوجاء كادت تُغرق سفينته، بينما صرخ البحارة: “هذه نهاية الرحلة!”، لكنه ربط نفسه بالصاري، وقرر أن يُصارع الأمواج حتى النهاية. لم تكن العاصفة اختبارًا لقوته الجسدية فقط، بل لإيمانه أيضًا بأن ما وراء الأمواج المُزمجرة يُوجد شاطئُ النجاة، وبناء عليه وجد محرز نفسه عام 2014 أمام عاصفةٍ من نوعٍ آخر: الرفض الأوروبي، فبعد محاولات فاشلة للانضمام إلى أندية فرنسية كبيرة مثل مرسيليا وليون، اقترح عليه وكيله الانتقال إلى نادي ليستر سيتي الإنجليزي، الذي كان يُناضل للهروب من الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية، بعدما لاحظ ستيف والش، كشاف نادي ليستر، وميض موهبته في مباراةٍ عابرة.
فهل هذا هو مصير العربي في أوروبا؟ في نادٍ صغير، وفي مدينةٍ لا يعرفها أحد، أسئلة هامة فعلًا، لكن محرز، كسندباد، رأى في العاصفة فرصةً لا تهديدًا، كان يعرف أن المعارك تُربح بالإرادة، لا بالعضلات، ولذلك سجل في موسمه الأول 4 أهداف وصنع 3 في 19 مباراة، وهرب ليستر بصعوبة من الهبوط، أرقام جيدة بالنسبة لسنة أولى بريميرليج، لكن الصحف البريطانية واصلت التشكيك، حتى مدربه نايجل بيرسون حاول إبعاده عن التشكيلة الأساسية، إلا أن كل شئ تغير مع وصول كلوديو رانييري، الذي منحه الحرية الكاملة كمهاجمٍ حرٍّ على الجانب الأيمن.
في تلك اللحظة تحولت الأمواج العاتية إلى رقصةٍ بين قدمَيه: 17 هدفًا و11 صناعةً في الدوري، مع تسديدةٍ ملتوية في مرمى تشيلسي توجت الفوز بلقب البطولة الأثمن، وجائرة لاعب الموسم في الدوري، وأول عربي يفوز باللقب، ذلك ليس مجرد فوزٍ ببطولة، بل عبور بحر الرفض الأوروبي الذي حاول إغراقه، بعدما رفضته أنديةٌ فرنسية لأن اسمه “غير فرنسي”، واستهان به الأوروبيون لأنه مجرد لاعب صغير، هش، وضعيف البنية الجسدية، هل تعرف ما هو أفضل تصريح معبر عن تلك الفترة، تصريح جيمي فاردي، زميله في الهجوم الذي قال: “لم نكن نصدق أننا سنفوز بالدوري، لكن رياض جعل المستحيل يبدو طبيعيًا جدًا”.
لقد واجه رياض محرز عنصريةً لا تُصرَّح بها غالبًا، لكنها متجذرة في النظام الأوروبي: تحيُّز الكشافة ضد اللاعبين العرب، ففي فرنسا، حيثُ تُفضَّل القوة البدنية على الموهبة الفنية، اعتُبر محرز “نحيلًا أكثر من اللازم” ليكون مهاجمًا ناجحًا، بينما تُمنح الأولوية للاعبين الأوروبيين ذوي البنية القوية حتى لو افتقروا للبراعة. هذا التحيز يعكس صورة نمطية مزدوجة: العرب الكسالى، بينما يُنظر إلى الأوروبيين على أنهم مثال الاجتهاد، حتى عندما برز في ليستر، تعاملت الصحافة الأوروبية مع نجاحه كحظ، ونادرًا ما نُسبت إليه عبقرية تكتيكية، هذه العقلية الاستشراقية تعامل اللاعب العربي كـظاهرة غريبة تستحق الدراسة، ولم تكن عنصرية محرز مقتصرة على الملعب فقط، فبعد هجمات باريس 2015، تعرض لموجة اتهامات غير مباشرة عبر تعليقات غزت السوشيال ميديا مثل: “هل يُمكن الوثوق بمسلم في دوري إنجليزي؟”.
فهل تعلم ماذا كانت ردت فعله؟ قرر ألا يكون ضحية، وبدلًا من إخفاء هويته، حوَّلها إلى سلاح، فظل يرفع علم فلسطين احتفاءً بأهدافه، كما تحدث بفخر عن أصوله الجزائرية، ورفض التنازل عن صلاته في الملعب، هكذا، حوَّل العنصرية إلى مرآةٍ تعكس عقد أوروبا، لا عيبه هو، ولذلك فانتصاره بلقب البريميرليج لم يكن مجرد إنجازٍ رياضي.

لقد حول محرز بسحره الشرقي، وبصهلة الحصان العربي الأصيل، “الرفض” الأوروبي إلى وقودٍ للإثبات، وقف كما وقف علي زين العابدين، في محضر ابن زياد، ليقول لأوروبا المريضة بالاستبداد والعنصرية أن العواصف لا تغرق السفن بل تُعلّمها الإبحار، ولذلك ظل انتصاره مع ليستر تحديدًا، شاهِدًا على أن البحار الخطرة هي طريقُ العظماء، فكما حوَّل سندباد العاصفة إلى فرصةٍ للعثور على كنزٍ دفين، حوَّل محرز شكوك الآخرين إلى وقودٍ لكتابة تاريخٍ جديد.
اكتشاف الكنز
“كان يلعب وكأنه يرسم لوحةً، كل لمسةٍ منه تُذكّرني بزيدان”.
رانييري
بعد سنواتٍ من الإبحار في بحار البريميرليج الهائجة، وصل محرز أخيرًا إلى المحطة التي طالما حلم بها كل بحَّار: جزيرة دوري الأبطال، بعدما انتقل إلى مانشستر سيتي عام 2018، العمل تحت قيادة بيب جوارديولا أدخله إلى عالمٍ جديدٍ، حيثُ الضغط لا يُحتمل، والمنافسون أشبه بقراصنةٍ مسلحين بلا رحمة، واللعبة لم تعد كما تعلمها مجرد لعبة، بل معادلةٌ رياضيةٌ دقيقة، كل خطوةٍ تُحسب، وكل لمسةٍ تُخطط كحركة شطرنج، في البداية، وجد محرز نفسه غريبًا بين آلة سيتي الهجومية، وكان عليه أن يتعلم كيف يلعب دون الكرة، لا معها، لكنه، كسندباد الذي لا يهاب التقلبات، حوّل التحدي إلى فرصة، حيث أصبح الجناح المبدع الوحيد في الفريق.
في موسم 20202019، صنع 60 فرصة (50 منها من لعب مفتوح)، وسجل 11 هدفًا وصنع 9 أخرى، وفي موسم 2020-2021، أصبح عنصرًا محوريًا: 14 هدفًا و9 صناعاتٍ في الدوري، الأرقام أكدت قدرته على التأثير حتى في الظروف غير المثالية، ثم تعززت قيمته أكثر في الموسمين التاليين، حيثُ لعب السيتي دون مهاجمٍ تقليدي، ورغم مشاركته في نصف المباريات فقط، تفوّق بإحصائيات الأهداف لكل 90 دقيقة على كل زملائه باستثناء أجويرو، كما سجّل 11 هدفًا وصنع 4 في دوري الأبطال خلال تلك الفترة، وصنع فرصًا أكثر من أي لاعبٍ آخر باستثناء دي بروين.
وفي نصف نهائي 2021 ضد باريس سان جيرمان، سجّل 3 أهداف في الذهاب والإياب، قائدًا سيتي إلى أول نهائي أوروبي في تاريخه، لكن المفارقة جاءت في نهائي 2023، حيثُ جلس محرز على الدكة بينما واجه سيتي إنتر ميلان، بعدما فضل جوارديولا التوازن الدفاعي الذي يوفره برناردو سيلفا، لكن الكنز الحقيقي لم يكن الكأس الذهبية، بل تحطيم الصورة النمطية التي ظلت تقول: “العربي جيدٌ فقط في الدوريات الصغيرة”، فبينما يُحتفى بأبطال أوروبا، وقف محرز كـ”سندباد العصر” الذي يُذكر العالم أن الأساطير تُولد حيثُ يُصرُّ البعض على إنكارها.
عرض هذا المنشور على Instagram
ورغم مساهماته، شعر محرز ببعض الإهمال من قبل جوارديولا، فلم يكن تركه على مقاعد البدلاء أمرًا هينًا، لا سيما في نهائيي كأس الاتحاد الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا، ما ترك مرارة في حلقة، حيث شوهد في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2023، بعيدًا عن زملائه أثناء الاحتفال، مُعبّرًا عن خيبة أملٍ عميقة، قرار جوارديولا باستبعاده لم يكن تقنيًّا فحسب، بل يعكس تحولًا في فلسفة السيتي نحو تعزيز التوازن بين الهجوم والدفاع، خاصةً بعد ظهور إيرلينج هالاند، ولذلك جاء انتقاله إلى الأهلي السعودي ليحمل رمزيةً خاصة، فبينما أراد النادي السعودي صناعة تاريخ جديد، شعر محرز أن مسيرته الأوروبية حققت ما يكفي: 5 ألقاب دوري إنجليزي، كأس الاتحاد الإنجليزي، ودوري أبطال أوروبا، رحيله لم يُحزن كل الجماهير، لكنه ترك إرثًا لا يُنكر: لاعبٌ عربي حوّل الشكوك إلى إنجازات، وكسر حواجز التصنيفات العرقية في أعتى البطولات.
علم التشريح السحري
سام لي، محرر ذي أثليتيك، يقول في تقرير بعنوان “Riyad Mahrez’s first touch, one of football’s most beautiful pieces of art“، أن أجمل ما رياض محرز هو لمسته الأولى، عندما يمد قدمه اليسرى ببطء ثم يمرجحها في الهواء لاستلام الكرة والسيطرة عليها، وهو ما جعل العديد من زملائه يثقون به، ويرسلون له الكرات القطرية من على مسافات بعيدة، حيث يهندس الرجل تلك التمريرات في أجزاء من الثانية وعن طريق ثلاث نقاط:
- الاستشعار: قبل وصول الكرة، يُحلل محرز سرعتها وزاوية دورانها في جزءٍ من الثانية.
- التخفيف: يستخدم باطن قدمه اليسرى لامتصاص قوة الكرة، كأنها تسقط على وسادةٍ هوائية.
- التوجيه: بإصبع قدمه الأخير، يُوجّه الكرة إلى المساحة المثالية للخطوة التالية، سواءً كانت مراوغة أو تسديدة.
Ladies and gentlemen .. Riyad Karim Mahrez.
Exquisite. Elegant. Magnificent.#TotalAFCONQ2021 | @LesVerts | @Mahrez22 pic.twitter.com/0vdE4F50L8
— CAF_Online (@CAF_Online) November 16, 2020
هذه العملية، التي تستغرق أقل من ثانية واحدة، جعلت محرز سيدًا من سادات الكرات الطويلة، ففي موسم 2022-2023، نجح في السيطرة على 89% من الكرات المرسلة إليه من عمق الملعب، متفوقًا حتى على ليونيل ميسي، هذه الهدية، المزروعة من شوارع سارسيل، لم تُنتج مجرد لاعبٍ عظيم، بل فنانٌ يُعيد تعريف الجمال الكروي، ففي عالمٍ يلهث وراء السرعة والقوة فقط، يذكّرنا محرز أن الكرة الحقيقية تُلعَب بالعقل والقلب قبل القدم، حسنًا، ما محصلة كل ذلك التاريخ وكل تلك المهارة؟ محصلة ذلك أن محرز، أصبح منذ أيام قليلة، أول لاعب عربي في التاريخ، يفوز بدوري أبطال أوروبا ودوري أبطال آسيا، بعدما قاد الأهلي السعودي للظفر باللقب بعد الفوز على “كاواساكي” الياباني بهدفين دون رد.
تلك هي آخر فصول القصة، وإنْ كانت أسطورة سندباد القديمة تختتم بعودته إلى بغداد حاملاً الذهب، فإن أسطورة محرز تُختَمُ بتتويجٍ حقيقي يلمعُ فوق رمالِ الجزيرة العربية، ليُعلن أن «سندباد الجديد» لم يغبْ عن أرضِ الواقع، وكما رَسَمَ سندبادُ بقدميه خريطةَ البحار السبعة، رَسَمَ محرزُ بلمسته السحرية جزءًا هامًا ونادرًا من خريطةَ كرة القدم العربية، مُذكِّرًا الجميعَ بأن المغامرين الحقيقيين لا يبحثون عن كنوزٍ تُغنيهم، بل عن آثارٍ تخلُدُهم، فليُبحر البحارة إذنْ أكثر، فالرحلةُ السابعةُ ليست نهايةَ الأسطورة، بل بداية جديدة لإرث يكتبُه التاريخُ بأحرفٍ من ذهبٍ وحريرٍ، وحينَ يسألُ أحدٌ: أين كنزُ سندباد؟، ستُجيبُ الأجيالُ القادمةُ: في الأملِ الذي زرعهُ في قلوبِ مَنْ سيأتي بعدَه، والآن بعد أن رست سفينتُه، يبقى السؤالُ الأجمل: ماذا سيفعلُ سندباد في رحلته الثامنة؟
الحلم نيوز :
بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة
الحلم نيوز :
بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة
بين بيضة الرُّخ وبطل آسيا وأوروبا: رياض محرز ورحلة سندباد السابعة #بين #بيضة #الرخ #وبطل #آسيا #وأوروبا #رياض #محرز #ورحلة #سندباد #السابعة