التخطي إلى المحتوى

لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟

الحلم نيوز :
لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟

#لو #كان #السيتي #وأرسنال #في #مستواهم #هل #كنا #سنرى #ليفربول #بطلا #للبريميرليج

الحلم نيوز : 
			لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟
الحلم نيوز :
لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟


الحلم نيوز :
لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟

دعنا نسأل سؤالا هامًا: هل يمكن لقصة واحدة أن تهز عرش اليقين؟ وهل يمكن لفريق واحد فقط أن يقلب كل معادلات المنطق؟ وهل يمكن الاعتماد على الذاكرة البشرية في الحكم على الأشياء والتاريخ؟ وكالعادة، قبل أن نجاوب، سنحكي لك قصة حدثت قبل سنوات قليلة جدًا، وشاهدناها جميعا، لكننا لا نتذكر تفاصيلها: كانت إنجلترا في شتاء 2015 تتنفس هواءً مختلفاً، هواءً يحمل نفحات أسطورة ما، كانت الصحف تتناقل أخبار كبار الدوري بجدية شديدة، والمحللون يتجادلون حول وريث عرش البريميرليج، يا ترى من سيكون؟ مانشستر سيتي، أم مانشستر يونايتد، لا؛ بل توتنهام، وفي خضم تلك الحالة المضطربة، كان ليستر سيتي، ذلك الضيف الثقيل، يجلس في زاوية التاريخ منتظرًا دوره ليقول كلمته في حفل لم يُدعَ إليه أصلاً. 

كلاوديو رانييري، ذلك المدرب الذي اعتبرته الصحافة “ضحية الزمن”، جاء حاملًا في عينيه بريق المتمردين، فلم تكن حقيبة تدريبه تحوي أي خطط ثورية، بل مجرد إيمان بسيط: الأحلام لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، بل إلى قلوب مؤمنة، وسواعد طامعة في الفوز، مثل من؟  بالضبط، مثل جيمي فاردي الذي تحول من عامل في مصنع كربون إلى قمة الهدافين، أو ويس مورجان، رجل الظل، والصخرة التي تحطمت عليها قلوب المهاجمين، أو رياض محرز الذي تحول بقدرة سحرية من مجرد لاعب دوري الدرجة الثانية إلى أحرف لاعب في الدوري، وأخيرًا نجولو كانتي، ذلك الرجل الصامت الذي ملأ الملعب كما يملأ القمر الليل، تراه موجودًا مشعًا في كل مكان، رغم صمته وهدوءه المريب. 


وبينما كان العالم مشغولاً بصراعات العمالقة، كان  ليستر يكتب فصلاً جديداً في كتاب المستحيل، الأسبوع تلو الآخر، كانت الانتصارات تأتي كالرعد، والأهداف تسقط كالنجوم، لدرجة جعلت الجمهور يتساءل: هل ما يحدث حقيقي فعلًا؟، الصحافة التي سخرت منهم في البداية، بدأت تكتب عن “معجزة القرن”، ليستر لم يفز بالدوري فقط، بل كسر كل القواعد المعروفة، وكل التقاليد البالية والباهتة، وأثبت أن الأحلام لا تعرف المستحيل، وأن القلب والعواطف قد يكونان أقوى من المال والتاريخ. 

هل تذكّر ذلك المشهد في فيلم “المليونير المتشرد” حين تحوّل الفقراء فجأة إلى أبطال؟ ليستر أعاد إنتاج نفس القصة، ولكن بلمسة كروية، حتى أن بعض الشركات بدأت تدرس “استراتيجية رانييري” في إدارة الموارد المحدودة، بل إن المعجزة أعادت كتابة قوانين الاقتصاد من جديد، فالأرقام التي تلت تلك المعجزة، تُحدثك بلغة لا تعرف المجاملة: قفزة جنونية في أسهم النادي بزيادة 63%، كأنما اكتشفوا بئر نفط تحت ملعب كينج باور، حتى أن بعض المحللين الاقتصاديين بدأوا يُدرّسون ما سُمي لاحقاً “تأثير ليستر” في كبرى الجامعات، وفي خضم نشوة الفوز وأبهة السيطرة، بدا أن هناك سؤال لا يمكن الإجابة عنه لضرورات الحالة والنشوة، والآن حان وقت طرحه لسبب ستعرفه بعد قليل: هل استحق ليستر لقب الدوري فعلاً؟

خيانة الذاكرة

السردية السابقة، هي السردية الأكثر شهرة، السردية الحالمة، الجميلة، التي تفي حق الفقراء والمستضعفين، لكنها ليست سوى نصف الحقيقة فقط، صحيح أنها السردية التي تبهج القلب: الفريق الصغير الذي تحدى العمالقة، والأحلام التي هزمت الميزانيات المفتوحة، والروح التي انتصرت على المنطق، لكن كرة القدم، كالحياة، لا تعمل بهذه البساطة، أما الحقيقة الأقل روعةً، والأكثر صدقاً، هي أن معجزة ليستر كانت مزيجًا من ظروف استثنائية مثل: انهيار كل الفرق المرشحة بطريقة غريبة، حتى توتنهام الذي بدا وكأنه صاعد إلى السطح لا محالة، إنهار بطريقة غريبة في نهاية الموسم، ثم جاء الحظ المتمثل في الإصابات القليلة، والأهداف المتأخرة الحاسمة، وهناك أيضًا الأداء الفردي الاستثنائي من  لاعبين مثل فاردي وكانتي ومحرز. 

وللأسف، كشفت المواسم التالية الجانب الآخر والحقيقي من القصة: ففي 2017، كان ليستر على حافة منطقة الهبوط، أما رانييري، البطل الأسطوري، فأقيل بعد أقل من عام واحد فقط من فوزه بالدوري، ليعود الفريق إلى وضعه “الطبيعي” كفريق منتصف جدول، حسنًا لماذا هذه الحقيقة مهمة؟ لأنها تذكرنا أن كرة القدم، في جوهرها، لعبة أنظمة وموارد واستدامة، ليستر لم يغير النظام، بل استفاد من لحظات ضعف استثنائية للمنافسين، حيث حصل على 81 نقطة، بينما حصد أرسنال، صاحب المركز الثاني، على 71 نقطة فقط، وبالتالي فهو لم يصبح بطلًا، بل كان مجرد ومضةً جميلة فقط، وهذا لا يقلل من إنجازهم بالطبع، بل يضعه في سياقه الحقيقي: انتصار مؤقت في عالم قاسٍ، وليس ثورة دائمة، وربما هذا يجعل القصة أكثر إنسانية، فحتى المعجزات لها تاريخ صلاحية، والحظ والصدف قد يلعبان الدور الأهم في حياتنا. 

جيمي فاردي - ليستر سيتي
جيمي فاردي – ليستر سيتي – (المصدر: Getty images)

ولكن هل يتذكر أحد تلك التفاصيل الآن؟ بالطبع لا، هم فقط يتذكرون السردية الأولى، سردية البطل الذي واجه الكل وانتصر وحيدًا بلا أي مساعدة أو صدفة أو حظ، وهذا ما يسمى عادةً “خداع الذاكرة”، فذاكرتنا الجماعية تعمل كمخرج أفلام بارع،  تختار بعناية ما تريد إبرازه وما تفضل إخفاءه، وبذلك خضعت قصة ليستر 2016 لعملية “تحرير روائي” جماعي حوّلها من انتصار مزج بين الجهد والحظ إلى أسطورة إرادة خالصة، وذلك لعدة أسباب، أولها هو حاجتنا للأساطير، إذ يعشق  العقل البشري القصص الملحمية، حيث ينتصر الضعيف بقوة إرادته فقط، ولذلك نسقط تلقائياً كل العوامل الأخرى مثل الحظ، والظروف، وإخفاقات المنافسين، لأنها تفسد جمالية القصة. 

ثانيًا هو ما يسمى (تأثير الهالة) (Halo Effect)، فانبهارنا بالنتيجة النهائية يجعلنا نعيد تفسير كل التفاصيل لتتناسب معها، فقط لأن ليستر فاز، أصبحنا نرى كل قرار لرانييري عبقرية، وكل أداء للاعبين بطولياً، بينما نفس هذه القرارات والأداءات لو جاءت في موسم عادي، لمرت دون أي مديح  يذكر، أما ثالثا فهو تحيزنا الواعي للبقاء (Survivorship Bias)، أي أن العقل البشري مصمم لدراسة حالات النجاح فقط، وإهمال مئات الحالات الأخرى حيث حاولت فرق صغيرة أيضًا المنافسة، وبمشروع أكبر وأهم، وفشلت، وهذا يعطينا انطباعاً خاطئاً بأن ما حدث كان حتمياً، أما رابعًا، فهو ما يسمى بـ “الذاكرة الانتقائية”، فعقولنا تحتفظ بالمشاهد البطولية فقط، مثل أهداف فاردي، وتدخلات مورجان، وتطمس اللحظات التي يتدخل فيها الحظ بشكل واضح، مثل الأخطاء التحكيمية وإصابات المنافسين، وهكذا. 

تلك الذاكرة الجماعية هي التي صنعت من ليستر أسطورة خالصة، ببساطة لأننا نريد أن نصدق أن العالم عادل، وأن الجهد وحده يكفي، لكن كرة القدم، مثل الحياة، أكثر تعقيداً من ذلك، والاعتراف بدور الحظ لا يسرق من إنجازهم، بل يجعله أكثر إنسانية، وربما انتصاراً بشرياً في عالم لا يكافئ الجهد دائماً، قد يقول قائل: ولماذا تتذكر تلك التفاصيل الآن؟

View this post on Instagram

A post shared by 365Scoresarabic (@365scoresarabic)

لأن ليفربول اليوم يقف على أعتاب كتابة فصل جديد، وبالتالي نجد أنفسنا أمام نفس المغالطة التاريخية، لتعيد الذاكرة الجماعية تشغيل نفس السيناريو: فريق يعاني، ثم ينهض، ثم يُتوج بطلاً،  لكن هل سيتذكر العالم أن هذا الدوري المحتمل لم يكن فقط ثمرة “الجهد الخالص”؟ هل سنتحدث عن الظروف التي ساعدتهم؟ عن تراجع المنافسين؟ عن اللحظات التي كان الحظ فيها حليفاً؟ أم أن التاريخ سيسجلها كـ”انتصار فقط” ويطوي الباقي في صفحات النسيان؟ 

ليفربول اليوم يلعب بدأب، بقلب كبير، بفلسفة واضحة، لكنه أيضاً يتستفيد من واقع أن المنافسة في الدوري الإنجليزي لم تكن بهذا الضعف منذ سنوات، مانشستر سيتي يعاني من التعب البدني والنفسي بعد مواسم السيادة، وأرسنال لا يزال في مرحلة إعادة البناء، وتشيلسي في فوضى إدارية، واليونايتد بعيدون عن المنافسة الحقيقية، كل هذه العوامل تشكل خلفية اللوحة.

العملية روبن أموريم.. أزمة مانشستر يونايتد ليست في الصواريخ بل في منصة الإطلاق

لكننا نركز فقط على الصورة النهائية: ليفربول، البطل المرتقب، ولذلك نكرر الخطأ نفسه، لأننا نريد قصصاً بسيطة، وواضحة، وملهمة، نريد أن نصدق أن المجهود وحده يصنع المعجزات، لأن هذا يمنحنا الأمل، لكن كرة القدم، مثل التاريخ، لا تسير في خط مستقيم، التاريخ يكتبه المنتصرون، ولكن الحقيقة تقول أن هناك لحظات يصنعها الجهد، وأخرى يصنعها التوقيت، وأخرى تصنعها الفوضى المحيطة، بالطبع فالاعتراف بهذا التعقيد لا ينقص من قيمة الانتصار، بل يجعله أكثر واقعية. 

فإذا توج ليفربول باللقب هذا الموسم، سيُحكى عن “إرادة أرنى سلوت”، عن “عبقرية صلاح”، عن “قلب فان دايك”، لكن قليلون فقط من سيتذكرون أن هذا اللقب جاء أيضاً في لحظة نادرة، حيث تراجع كل العمالقة في نفس الوقت، وهذا بالضبط ما حدث مع ليستر سيتي، لكننا نفضل أن ننسى، وأن ندفن التفاصيل الدقيقة تحت وطأة الإعجاب بالبطولة، لأننا، ببساطة، نفضل الأسطورة على الحقيقة.

بعض التفاصيل 

في مفارقة تاريخية تُلخِّص الفكرة، نجح أرني سلوت في حسم اللقب بـ82 نقطة فقط، بينما ظلّ يورجن كلوب يُناضل دون جدوى رغم تسجيله 97 و 92 نقطة في موسمين مختلفين، الأرقام هنا ليست مجرد بيانات، بل شاهدٌ على تحوُّلات معادلة البطولة نفسها.

ولذلك فنحن نتحدث هنا عن سياق كل موسم: كلوب واجه مانشستر سيتي في ذروة هيمنتها بقيادة جوارديولا، حيث تحوَّلت 97 نقطة إلى “فضة مُرّة”، بينما استفاد سلوت من تراجع المنافسين وتوزيع الخسائر بين الفرق، هذه المفارقة تطرح سؤالًا وجوديًا: هل يُقاس النجاح بالجودة المطلقة أم النسبية؟ كلوب قدَّم أداءً أسطوريًا لكنه اصطدم بمنافسٍ لا يُقهَر، بينما سلوت، برغم نقاطه الأقل، فقد فهمَ لعبة الظروف والصدف واستطاع انتزاع اللقب في النهاية.

لا، من فضلك، فكلامنا هذا لا يعني أن ليفربول لا يستحق الدوري فعلًا، بل هو مجرد طرح مبدئي، قد يجانبه الصواب أو الخطأ، ولكن في الحالتين، ستظل النتيجة واحدة، أننا سنأسطَّر تلك الحالة مستقبلًا، وننزع عنها بشريتها، خاصة وأنها قصة جيدة فعلًا: مدرب جديد غير معروف جاء في ظروف غامضة بعد مدرب قديم أسطوري، وبعد عدة مشاكل وأزمات لا مكان لذكرها جميعًا، استطاع حسم لقب الدوري مبكرًا جدًا، رغم أن كل العيون كانت مصوبة نحو أرسنال في البداية، قصة جديدة، وملهمة وجميلة.

ولكن حتى تكتمل الصورة يجب علينا أيضًا أن ننظر إلى بعض التفاصيل مثل تحليل سرعة انتقال الكرة من الدفاع إلى الهجوم لدى كل فريق، ثم كفاءة الاحتفاظ بالكرة، ومرات فقدانها في مناطق الخطورة، لأننا بذلك نرسم خريطة دقيقة لأنماط اللعب في البريميرليج، قد تمكننا من الإجابة على السؤال الأول في العنوان. 

لطالما كانت كرة القدم الحديثة تعبد مذبح التمريرات القصيرة والبناء البطيء للهجمات، لكن هذا الموسم 2024-2025 يشهد زلزالاً تكتيكياً يقلب كل المسلمات رأساً على عقب، ففجأةً، عادت الهجمات المرتدة السريعة لتصبح سلاحاً فتاكاً، بينما تراجع نمط التمرير القصير والطويل إلى الخلفية،  المفارقة الصارخة أن مانشستر سيتي، سادة التمريرات المعقدة، يسجلون أعلى معدل تسلسلات لعب (5.1 تمريرات لكل هجمة) لكنهم يفقدون التتابع لأول مرة  بعد أربعة مواسم من الهيمنة، بينما تتصاعد فرق مثل بورنموث ونيوكاسل وليفربول بأسلوب أكثر مباشرة، والأرقام هنا تكشف مفارقة مثيرة: ساوثهامبتون، صاحب ثاني أعلى معدل تسلسل لعب (4.4 تمريرات لكل هجمة)، يسير بخطًا ثابتة نحو الهبوط، بينما الفرق التي تعتمد على الانتقال السريع، مثل ليفربول، تتصدر المشهد.

“لم تعد كرة القدم الحديثة تتعلق بالمراكز الثابتة”. 

بيب جوارديولا 

فهل هذا يعني نهاية عصر جوارديولا؟ بالطبع لا، لكنه يؤشر لظاهرة أكبر: كرة القدم في تحول دائم، وما والذي كان ناجحاً بالأمس قد يصبح نقطة ضعف اليوم، والفرق الذكية هي التي تعرف كيف تتكيف، لا التي تتمسك بمبادئها حتى عندما تتغير قواعد اللعبة، ولذلك فالموسم الحالي يثبت حقيقة قديمة جديدة: لا يوجد أسلوب مثالي، بل هناك أسلوب مناسب للوقت والمكان واللاعبين المتاحين، والبطولة ستكون من نصيب من يفهم هذه المعادلة أولاً.

بيب جوارديولا والعنقاء: هل يحترق ليولد من جديد؟

وقد برز ليفربول وأرني سلوت كأبرز المستفيدين من هذا التحول، حيث اعتمد “الريدز” على خط هجومي سريع وقاتل، يستغل المساحات خلف دفاعات المنافسين، مع تحول صلاح وداروين نونيز وجوتا إلى كابوس حقيقي بفضل قدراتهم على الجري في العمق والإنهاء السريع، بينما خط الوسط المكون من سوبوسلاي وماك أليستر وجونز أعطى الفريق توازنًا مثاليًا بين الهجوم والدفاع، ولذلك لم يعد ليفربول بحاجة إلى 20 تمريرة لصنع فرصة، بل حولوا الكرات المرتدة إلى أهداف، مستفيدين من ضعف بعض الفرق في التعافي الدفاعي.

فبينما يتشبث مانشستر سيتي بفلسفة التمريرات المعقدة، 656 سلسلة لعب بـ10 تمريرات أو أكثر،  نجد ليفربول يكتب فصلًا جديدًا في فن كرة القدم الحديثة، المفارقة تكمن في أن نوتنجهام فورست، صاحب المركز السادس، يلعب بسرعة تصل إلى 2.1 متر/ثانية في الهجمات، بينما يتلكأ حامل اللقب عند 1.4 متر/ثانية فقط، وفي خضم هذا التحول الكبير في أنماط اللعب، يبرز تشيلسي كحالة، مثيرة للاهتمام. فبينما تُظهر الإحصائيات أنهم أحد أكثر الفرق تمسكاً بالبناء البطيء والتمريرات المعقدة، إلا أنهم في نفس الوقت يتصدرون الدوري في عدد الهجمات المباشرة (81 هجمة)، هذا التناقض الظاهري يكشف في الحقيقة براعة إنزو ماريسكا في صياغة هوية هجينة لفريقه، تجعله قادراً على مفاجأة المنافسين بتحولات مفاجئة في نمط اللعب.

هذه المرونة التكتيكية التي يتمتع بها تشيلسي تذكرنا بالطريقة التي أعاد بها ليفربول اختراع نفسه هذا الموسم، فكما استطاع الريدز الجمع بين الضغط العالي والهجمات السريعة مع الاحتفاظ بقدرة على التملك عند الحاجة، نجح تشيلسي في أن يكون سريعاً وخطيراً حتى في لحظات بناء الهجمات البطيئة،  الفرق بينهما ربما يكمن في أن ليفربول قد وجد التوازن الأمثل بين هذين النمطين، بينما لا يزال تشيلسي يبحث عن ذلك التوازن السحري الذي يمكنه من تحويل إمكانياته الهائلة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، لكن الأهم من ذلك كله هو أن هذه التحولات أثبتت حقًا أن كرة القدم الحديثة لم تعد تعترف بوصفات جاهزة للنجاح، وكل فريق يبحث عن طريقته الخاصة للتكيف مع هذه الموجة الجديدة، فلم يعد التمسك بفلسفة واحدة كافياً لتحقيق النجاح في دوري يتسم بالتنافسية الشرسة والمفاجآت المتتالية. 

View this post on Instagram

A post shared by 365Scoresarabic (@365scoresarabic)

تفاصيل أكثر

يعيش مانشستر سيتي هذه الأيام مفارقة غريبة، فبحسب ما ذكره تقرير “أوبتا“، يحتفظ الفريق بالكرة لمدة 15.7 ثانية في المتوسط لكل هجمة، أي أطول بثلاث ثوانٍ من أي فريق آخر في البريميرليج، لكنه في النهاية لا يتقدم في الملعب أكثر من أرسنال وليفربول، والأرقام تكشف قصة مثيرة: فبينما يحتاج السيتي إلى كل هذا الوقت لتحقيق تقدم متوسطه 14.4 متر لكل هجمة، فإن أرسنال وليفربول يصلان إلى نفس المسافة (14.2 متر) بوقت أقل وتمريرات أقل.

تلك الفجوة بين التملك والتقدم تكشف أزمة حقيقية في فلسفة جوارديولا هذا الموسم، فبينما تسبح الكرة بين أقدام لاعبي السيتي في منتصف الملعب، ينطلق ليفربول وأرسنال كالسهام نحو المرمى، وهذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات جافة بالطبع، بل هي دليل على أن كرة القدم تتغير، وأن أعظم الفلسفات قد تحتاج أحياناً إلى ولادة أخرى من جديد.  

شئ آخر هام يجب النظر إليه ألا وهو إحصائيات “الضغط العالي”، حيث برز بورنموث كواحد من أكثر الفرق إثارة في البريميرليج، ليس بسبب ما يفعله بالكرة فقط، بل بسبب ما يفعله بدونها، خاصة لحظة فقدان الكرة، حيث أن فلسفة الضغط العالي والعكسي التي يتبناها الفريق حولت كل فقدان للكرة إلى كابوس حقيقي على المنافس، وفي نفس اللحظة التي يسجل فيها مانشستر سيتي أكبر عدد من حالات فقدان الكرة في مناطق الخطورة (300 حالة)، نجد أنهم يحولون 13.7% منها فقط إلى تسديدات (41 تسديدة)، أما بورنموث، فبـ 298 حالة فقدان فقط (أقل بمرتين تقريبًا)، استطاع تحقيق 21 تسديدة إضافية مقارنة بالسيتي.

مانشستر يونايتد ضد بورنموث
مانشستر يونايتد ضد بورنموث – (المصدر:Gettyimages)

المفارقة الأكثر إثارة؟ بورنموث لا يكتفي بالضغط، بل يحوله إلى فرص حقيقية، حيث تنتهي 20.8% من حالات استعادة الكرة في مناطق الضغط العالي لديهم بتسديدات، وهي نسبة لا يتفوق عليها سوى نوتنجهام فورست (21.3%) وليفربول (21.1%).

هذه الأرقام تظهر كيف أن الكفاءة أهم من الكم، وكيف أن الضغط الذكي يفوق الضغط الكثيف، حيث نرى  في الجهة المقابلة أرسنال وتوتنهام يقعان في فخ الكم دون الكفاءة، فرغم تسجيلهما 287 و285 حالة فقدان كرة على التوالي (رابع وخامس أعلى نسبة في الدوري)، إلا أنهما يعانيان في تحويل هذه الفرص إلى تسديدات، وبنسب تحويل لا تتجاوز 12.6% لأرسنال و12.9% لتوتنهام، ليصبحان في ذيل القائمة، متخلفين بذلك فقط عن ساوثهامبتون (10.7%) ووست هام (12.1%).

بناءً على تلك الأرقام الدقيقة التي تكشف تحولات البريميرليج هذا الموسم، يظهر ليفربول كفريقٍ أتقن فن الموازنة بين الفلسفات التكتيكية المتناقضة، فبينما يتصدر في كفاءة تحويل حالات الضغط العالي إلى تسديدات (21.1%)، متفوقًا حتى على بورنموث صاحب الضغط الأكثر إثارة، نجده أيضًا يحافظ على براجماتية ذكية في البناء الهجومي، حيث تشير الأرقام إلى أنه وجد “النقطة الذهبية” بين السرعة الجنونية لفورست في الهجمات المرتدة (2.1 م/ث) والتملك المنظم لمانشستر سيتي، فيسجل تقدمًا في الملعب (14.2 م) مساويًا لأرسنال رغم استخدامه لوقت وتمريرات أقل.

هذا الأداء المتعدد الأبعاد يضع ليفربول في موقع المتصدر الطبيعي للدوري حاليًا، لا كفريق يعتمد على فلسفة واحدة، بل كلاعب شطرنج استراتيجي يغير أدواته حسب طبيعة المنافس، يستغل حوالي 50% من الهجمات المباشرة (كمثل تشيلسي) بينما يحافظ، في نفس الوقت، على كفاءة الضغط (كمثل بورنموث) ما يجعله الأكثر رعبًا بين جميع الفرق، والأهم من ذلك؛ أنه يتعلم من أخطاء الآخرين: يتفادى عقم تملك السيتي، ويحسن كفاءة الضغط مقارنة بأرسنال وتوتنهام، مما يجعله الأذكى في دمج جميع العناصر بنسب مثالية، هذه المرونة التكتيكية، وليس الإحصائيات المجردة فقط، هي ما يؤهله لرفع اللقب.

ليفربول
محمد صلاح – ليفربول – المصدر: (Getty images)

انظر إلى الأرقام

في اللعب المفتوح، يظهر ليفربول كآلة هجومية جيدة نوع ما رغم السياق المختلف:

الإحصائية العدد
عدد التسديدات 451 تسديدة
عدد الأهداف المسجلة 60 هدفًا
xG الأهداف المتوقعة (له) 65 هدفًا متوقعًا
فرق الأهداف المتوقعة (+/-) +5.56 (أقل من المتوقع)
جودة التسديدات الهجومية (xG/تسديدة) 0.15 xG/تسديدة
عدد التسديدات المستقبلة 238 تسديدة
عدد الأهداف المسجلة ضده 24 هدفًا
جودة تسديدات الخصوم (xG/تسديدة) 0.10 xG/تسديدة

أما الكرات الثابتة فتكشف مفارقات مثيرة

ملاحظات xG عدد الأهداف عدد المحاولات نوع الضربة الثابتة
كفاءة أقل (0.09 xG/تسديدة) +3.76 6 أهداف 85 تسديدة الضربات الركنية
نقطة ضعف نسبية -0.23 0 أهداف 7 محاولات الركلات الحرة المباشرة
بعض الأهداف جاءت بحظ غير متوقع -2.15 9 أهداف 9 ركلات ركلات الجزاء

لو كان لنا أن نلعق تعليقًا بسيطًا، فهذه الأرقام ترسم صورة فريق يعتمد بشكل أساسي على القوة الهجومية في اللعب المفتوح، حيث يسجل: 75% من أهدافه (60 من 80) في هذه المواقف، مع تفوق واضح في جودة التسديدات، لكنها تكشف أيضًا: اعتماده شبه الكامل على اللعب المتحرك، مع وجود ضعف نسبي في الكرات الثابتة، مع حظوظ غير اعتيادية في ضربات الجزاء (فارق -2.15 بين الأهداف المسجلة والمتوقعة)، وبالتأكيد  قوة في الدفاع المنظم (فقط 24 هدفًا سُجل عليه في اللعب المفتوح رغم 238 تسديدة واجهها).

وبكل تأكيد، الأرقام لا تكذب، ليفربول ليس مجرد فريق يصنع تسديدات كثيرة، بل يصنع تسديدات ذكية، حيث تتفوق جودة تسديداته (0.15 xG/تسديدة) على منافسيه (0.10) في اللعب المفتوح، وهو ما يفسر سجله الهجومي المميت (60 هدفًا)، أما الدفاع أيضًا فليس مجرد حائط صد فقط، بل مصفاة تحول تسديدات الخصوم إلى تهديدات أقل خطورة (فقط 24 هدفًا سُجل عليه رغم 238 تسديدة واجهها)، وحتى عندما لا تسير الأمور مثاليًا، مثل أدائه المتواضع في الكرات الثابتة (6 أهداف فقط من الضربات الركنية)، يعوض عنها بقوة لا تُقهر في اللعب المتحرك، حيث يسجل 75% من أهدافه،  هذه السيولة التكتيكية بين الهجوم المنظم والدفاع الحديدي تجعله مرشحًا شرعيًا للقب، لكن الأرقام أيضًا تحمل تحذيرًا خفيًا. 

View this post on Instagram

A post shared by 365Scoresarabic (@365scoresarabic)

فالاعتماد المفرط على اللعب المفتوح قد يكون نقطة ضعف أمام فرق منظمة، فلو استطاع منافس مثل أرسنال أو مانشستر سيتي إغلاق المساحات وتحويل المباراة إلى معركة كرات ثابتة، قد يواجه ليفربول صعوبة غير متوقعة، رغم ذلك، يبقى ليفربول الأكثر اتساقًا وتكاملاً بين جميع المرشحين، وأرقامه تؤكد أنه ليس الأفضل في مجال واحد فقط، بل الأكثر توازنًا بين الهجوم والدفاع، فهل يستحق إذن لقب الدوري؟ 

في مديح الحظ 

لقد أخذناك في رحلة طويلة بين أسطورة ليستر سيتي وباقي فرق الدوري الإنجليزي هذا الموسم، وبين الأرقام والإحصائيات والتحليلات، ولم نجاوب بعد على سؤال العنوان، وإن شعرت بالملل، فدعنا نخبرك أنك ستضطر آسفًا البقاء معنا بضع دقائق أخرى، لأننا سنجيب عن سؤال آخر: لماذا نجيب عن هذا السؤال أصلًا؟ لقد بدأنا رحلتنا بسؤال بسيط: “هل يستحق ليفربول لقب الدوري الإنجليزي فعلًا؟”.

وبعد مسار طويل من التحليل، تَظهر الإجابة أكثر تعقيدًا مما توقعنا، نعم، ليفربول يستحق التتويج، لكن ليس للأسباب التي قد يتخيلها البعض، إنه لا يستحقه لأنه “الفريق المعجزة” أو لأنه “تحدى كل الصعاب”، بل لأنه كان الأكثر استغلالًا لفرصة انهيار المنافسين، لا أكثر ولا أقل، ولو كان على ليفربول الحالي المنافسة في موسم مضى، ستكون الحسابات مختلفة، نظرًا لشراسة المنافسة. 

لكن الذاكرة الجماعية، كالعادة، وكما علمتنا قصة ليستر سيتي، لن تتذكر هذه التفاصيل، وبعد سنوات قليلة فقط، سيُحكى عن “عبقرية سلوت”، و”عزيمة صلاح”، و”صمود فان دايك”، بينما ستُنسى حقيقة أن هذا اللقب جاء في لحظة استثنائية انهار فيها كل العمالقة معًا، هذا ليس انتقاصًا من قيمة الإنجاز، بل اعترافًا آخر بأن التاريخ يكتبه المنتصرون بطريقتهم، ليفربول لم يخترع كرة القدم، لكنه فهم قبل الجميع أن قواعدها تتغير، وأن البقاء للأكثر مرونة، لا للأكثر تملكًا أو ضغطًا، ثم سعى في هذا الاتجاه بعزم راسخ، وأقدام ثابتة، ومن ثم استطاع الإنجاز في نهاية المطاف لأن ذلك الصمود توائم مع لحظة تاريخية انهار فيها كل شئ. 

تشكيل ليفربول ضد توتنهام بالجولة 34 في الدوري الإنجليزي
محمد صلاح – ليفربول (المصدر:Gettyimages)

ولذلك ربما المعضلة الحقيقية ليست في تحديد ما إذا كان ليفربول يستحق اللقب أم لا، بل في إدراك أن قيمة أي بطولة تكمن في سياقها الزمني، اليوم، نحن نحلل الأرقام والظروف، لكن غدًا، سيصبح هذا الموسم مجرد أسطورة أخرى، تذوب فيها التفاصيل الدقيقة لتبقى الصورة الكبيرة: فريق رفع الكأس، وآخرون حلموا، وليفربول، مثل ليستر من قبله، سيصبح جزءًا من هذه السردية الأبدية، حيث تنتصر الرواية الجميلة دائمًا على الحقائق والأفكار المركبة، ولذلك فالسؤال الوحيد المتبقي هو: هل سنتعلم من التاريخ، أم سنكرر نفس الخطأ كل مرة؟ 

خاصة وأن تلك الحالة بالضبط هي لب الحياة، ومعضلتها الخبيثة، بل وربما معضلة القرن الحادي والعشرين بأسره، أن تظن أنك ناجح لأنك ولدت ناجحًا، رغم أن النصر لا يُكتسب بالقوة أو الذكاء وحدهما، بل بالوقوف في اللحظة المناسبة، عند التقاء الزمان والمكان المناسبين، وبما أن الزمان والمكان المناسبين ليسا من صنع يد الإنسان، وبما أننا لا نملك توقيت الأقدار ولا جغرافية الفرص، لذلك يظل الحظ،  بلا أدنى شك، هو صاحب ثلثي النجاح على الأقل، بينما يأتي الجهد ليكمل المعادلة فقط، لا ليصنعها من العدم. 

ولذاك يا صديقي، لا تصدق من يقول لك أنك أسطورة، أو أنك أفضل من غيرك لأنك (أنت) فقط هكذا بلا سياق، أو أنك هنا في هذا المكان تحديدًا لأنك “أجمد واحد”، وبالطبع لا تصدق محاضرات التنمية البشرية عديمة التأصيل العلمي، والتي تهلل وتُطبل للذات، وتغذي نزعة الفردانية والشعور  الدائم بالاستحقاق بشكل مقيت، ولا تصدق صلاح أبو المجد ورفاقه، لأنهم ببساطة: يكذبون عليك، فحتى أعظم الانتصارات تُبنى على أنقاض فرصٍ ضائعةٍ لآخرين، وظروفٍ لم يخلقها البطل، بل وجد نفسه فجأةً داخلها، أما المكان والزمان المناسبين فليسا ساحة اختيار أبدًا، بل هبةٌ عمياء تُمنح لمن يُحسن استقبالها، لا لمن يستحقها.


الحلم نيوز :
لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟

الحلم نيوز :
لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟
لو كان السيتي وأرسنال في مستواهم.. هل كنا سنرى ليفربول بطلًا للبريميرليج؟ #لو #كان #السيتي #وأرسنال #في #مستواهم #هل #كنا #سنرى #ليفربول #بطلا #للبريميرليج